إنَّك وحيدٌ كثيرًا لترغب في الرّفقة...


(إنَّك)ُكُنتُ و رَ نتسامر، كلُّ منَّا في بيته، بيتُها يحطُّ في شمال المدينة، و بيتي في جنوبها...
و فجأةً، (وحيدٌ)، و فجأة... مسكت يدي... و يا ليتها، لم تُمسِكها... ثمَّ همست، بالقرب من أُذني:"إنَّكَ وحيدٌ كثيرًا، و بدرجةٍ عارمةٍ و عنيفة... إنَّكَ وَحيدٌ و بعيدٌ، كلَّ البعدِ عن الرّفقة... إنَّك وحيدٌ كثيرًا لترغب بالرِّفقة."
مسكتُ يدها... – و كان بيتي جنوبًا و بيتها شمالا – و همستُ،(كثيرًا) أنا الثاني:" إنَّها الساعةُ الرابعةُ صباحًا الآن... السنةُ تلك التي قبلَ الماضية، و في نفس هذا اليوم، و في نفسِ المكانِ الذي حطَّت عليهِ عقاربُ الساعة، كُنت نائمًا. أ تدرين بحقِّ الإله، ماذا يعني هذا؟"
أفلتَت رَ يدي (لترغبَ) كشكلٍ من إعلانِِ الهزيمة.. تخلَّصَت من أسلوب الهمسات، و قرّرت أن تهرُبَ إلى الإعلان و التصريح، و قالت:" و ماذا يعني هذا(في)، بحق الإله؟"
أجبتُ، مبدٍ وجهيَّ ذاك الذي تملأُ مواطِنُ الشباب فيه(الرِّفقة) الهزيمةَ و النّصر، كلاهُما"لقد جعلتِ منّي رجُلا ناضجًا لعينًا... لقد جعلتِ منّي إنسانًا لا يعرِفُ النوم."

باتت رَ، لا تفهَمُ ما أقول.. صحيحٌ(لا) أنّها كانت تسمعُ الحُروف التي تنطِقُها شفتاي، لكنَّها حقًّا لم تقدِر على ترتيبها... إنَّ كُلَّ ما إستطاعت فعلهُ هو إستفزازي: سؤالي عن ما إن كانت الوحدةُ تُقلِقني.. طبعًا، (أغلقُ)سأنكِرُ أنَّها تُزعجني... أ لستُ إنسانًا؟ أ لا يخافُ الإنسان الإعتراف بإنسانيته؟ أ لا يخاف، هذا الحقيرُ العاجِز، أن يُعرِّف بنفسه؟ أ لم يُدرِّسُوه – علنًا – أنَّ لا إنسانية وســــ(أقواسي)ــط الوِحدة؟ أ لم يعلِّموه أنَّ الإنسان في حاجةٍ كُبرى للإنخراط وسط الحُشود؟
طبعًا... قلتُ"كلا، لا أخافُ أن أكون وحيدًا." ... ثمَّ بصوتٍ فضحَ عدم ثِقتي بما أقول، أضفتُ"إغلقي هذا القوس... و إرجعي وهمًا لي كما كُنت في السابق، وهمًا يعيشُ شمال هذه المدينة."

(أ حقًّا كُنتُ صادقًا بخصوص الوحدة؟ إنَّ الكذب ليس بالأمر المُشين... فقط الأمرُ يعتمدُ عن من تكذِب... و أنت، يا صاحُ، حاولتَ الكذب على نفسك... و ذلك أمرٌ معيبٌ حقًا... لذلك... أنا مُصرُّ على السؤال: أ حقا كُنت صادقًا بخصوص عدم خوفي من الوحدة؟
ردَّت، و النصرُ يتدلّى من نغماتِ صوتها، و كأنَّ النصر و الخسارةَ يتداولان علينا "أنا لم أفتَح أيَّةَ أقواسٍ دون غلقِها... أنا أغلقتُ كلَّ أقواسي... أنت من لا يُغلقُ أقواسه... و ليس ذلك فقط، بل إنَّك تفتحُ قوسًا و تُبدي إستفهامًا... إستفهامٌ دُون جواب."
(و لي أن أسألَ أيضًا... بدافع الفضول... أو ربمَا بدافع التفلسُف... و ما العيبُ في أن نسأل ثمَّ لا نضعُ الجواب؟ ماذا لو أنَّ عظمةَ الأمرِ تكمُن في مدى صحَّة السؤال...؟
-ثمَّ إنَّ العاهرةَ كانت مُحقَّةً بخصوص أقواسي التي لا أغلِقُها... عاهرةٌ لعينةٌ ذكيّة.

معتز الحاج سالم
هزائم و نكسات.