زرتُ سيناريستًا

زُرتُ سيناريستًا...
الفقرُ كان يعمُّ أرجاءِ بيته... الفَقرُ كان يجتاحُهُ هو ذاته. عرّفني على عُلبةِ سجائِره.. كانت قد رافقتُه في حُزنِه و أساه و فرحتِه و ذُهوله... بالرُغم أنَّهُ كان ينهشُ بها جسدَهُ في ليلةٍ واحدةٍ فقط، و بالرُغم من أنَّهُ سيشتري غيرها صباحًا، إلا أنَّهَا تشهدُ على كلِّ ذلك. إنَّها تشهَدُ على مليونِ إحساسٍ كان قد تكتَّل داخل قلبه، في ليلةٍ واحدة.
زُرتُ سيناريستًا،
و كان فقيرًا... إلا أنَّ فقرَهُ كان مرغوبًا فيه، كان فقرُه الوسيلة، حتى يكون، ما يكون. إنَّي أشهَدُ، أنَّهُ لو كان يعيشُ في بيتًا فخمٍ، حالهُ على عكسِ حال شُقتِّهِ الحالية، لما كان قادرًا على كتابة نِصفِ ما كتب... و تلك هي القضيةُ المُثيرةُ للفضول، لفُضولي و فضوله... ما علاقةُ الفقرِ بالكتابة؟ أعتقدُ أنَّ التركيزَ الذي يبذُله الأُناس العاديون حتى يعثروا عن الثراء، يبذُلهُ السيناريستُ في الكتابة، و هكذا يكون الفقرُ الوسيلة، و يكون النتيجة أيضًا.
زُرتُ سيناريستًا... فعرّفني على معاناةِ فُراق الليل... آه، قال أعشَقُ الليل... قال أستيقظُ في الزمن الذي يخلُد فيه العاديون إلى النوم، حتى يكون، العالمُ كلُّه، لي، و مِلكي.

قال أخافُ النهار... أخافُ مطلع الفجر... تُرهِبني الشمسُ و غيومُ الصباحِ بشكلٍ غريب... إنَّ ظُهورَها يعني النهاية، إنَّهُ الوقتُ الذي يستيقِظُ فيه الأشرار، الذين يعيشون بلا مشاعرٍ و بلا مبادئ... إنَّهُم يستيقظون صباحًا و يستعدّون للبدءِ في نخر هياكل هذا الوطن، ثم يغطّون في الليل نومًا، و هم شاتمين، مُتسائلين.. "من قام بتخريب هذا البلد؟".

زُرتُ سيناريستًا و حدَّثني عن الحكايةِ و الرواية، قال... لا أخافُ الموت، فالحالُ أنَّني أعيشُ حياتي و حياةَ بطل القصَّةِ و حياة عدُوهِ أيضًا... قال لا أهابُ الموتَ بقدر ما أهابُ أن يكُون عدَّوُ البطل، هو المُحقِّ، و أنا لم أنصِفهُ، فقمتُ بقتلِه آخر الحكاية.