أنتَ طِفلٌ صغيرٌ،
و آسمُك مُعتز.
إجلس.
سأقصُّ عليك قصَّة قصيرة، فكما تعلم...
إمتلئت كُتبي بالقصص القصيرة، و لا أحدَ يقرأُها... فدعني أحكيها لك بدل أن
يتغذَّى عليها الغُبار.
اليومَ سنقرأ... قصَّةُ الإنسان مع الموت.
في صِغرِك يا بُني، و آنت إبنُ الخمسِ سنوات،
ستوضع أمامك بضعُ حاجيات... القليل من الشوكولا... عصيرُ ليمون... لعبةُ رجلٍ آلي
تعمل بجهازِ تحكم... و مُستحضر غسيلٍ يُستعمل لغسلِ الصحون و الملابس... ما الذي
ستفعله أنت؟ ستتجاهلُ كلَّ تلك الحلوياتِ الشهيَّة و المشروباتُ الحُلوة... و تلك
الألعابُ التي قد لن تأتيكَ فرصةٌ أخرى، و تحضى بمثلها، خاصةً و أنت، إبنُ عائلةٍ
مُتواضعةٍ ماديًا، آخرُ ما قد يشغلُ بالها، أنَّك فتًى صغيرٌ و بحاجةٍ إلى
الألعاب...
ستتجاهلُ تلك الأمور، و تنقضُّ على مستحضر الغسيل، و تشربُه... و مع هذا... هل يحقُّ لي أن أقول أن الإنسان يميل إلى الموت؟ لا... لا أحد يحبُّ الموت... و مع هذا، و أنت إبنُ الخامسة... ستختار الموت.
ستتجاهلُ تلك الأمور، و تنقضُّ على مستحضر الغسيل، و تشربُه... و مع هذا... هل يحقُّ لي أن أقول أن الإنسان يميل إلى الموت؟ لا... لا أحد يحبُّ الموت... و مع هذا، و أنت إبنُ الخامسة... ستختار الموت.
في التاسعةِ من عُمرِك... ستقفُ في مُفترقِ
طُرقاتٍ، في زواياهُ لافتاتٌ كُتبت عليها أسماء المُدنِ التي تؤدي إليها تلك
الطرقات... ما عدَا طريقٍ واحد... لم تُوضع أمامه أيَّ لافتة. ستختاره، و ستسلُكه...
و تضيع... و قد تموت... و حتى الآن... هل يحق لي، أن أقول، أنَّ الإنسان ميّالٌ
إلى
الموت...؟ كلّا... لا أحد يحبُّ الموت هُنا ... لكنَّنا نختارُه...
في الثالثة عشرة من عُمرك، ستكون طالبًا في
معهدٍ ما... سترى أصدقائَك يتبادلون سيجارةً فيما
بينهم يسحبون دُخانها، بكلِّ
فرحٍ، وراء المعهد... خلسةً.
رغم تنبيه والدك، و تهديده... رغم معرفتِك، بأن التدخين موتٌ،
ستختاره. ستُجالسهم، و تدخِّنُ رفقتهم، و حتى هذا... لا يمنحني الحق، بأن أقول، أن
الإنسان يميل إلى أن يقتل نفسه...
في السابعة عشرة من عُمرك، يجتاحُك الآن
التفكير، كتفاكَ بارزان، و تلك اللحية على وجهك، و صوتُك الغليضُ الرجوليُ ذاك....
لقد نضجت... لقد نجوت من الموت في صِغرِك عندما أقدمتَ على شرب مُستحضر الغسيل...
و نجوت أيضًا عندما إخترتَ الطريق الذي لا تعرف إلى أين يؤدي، فقد أنقذوك... صرتَ
مُدخِّنا بعد سنتين من مُشاركة الأصدقاء سيجارتهم، و لكنَّك لم تمُت بعد... و
اليوم، و أنت حاملٌ لهمِّ الوطن، و الأسرة، و ذاتِك... ستضعُف... ستُقدِمُ على
شُرب أدويةٍ لا تعرفُ ماذا تُعالجُ تحديدًا... ستُقحِم في فمِك الذي لطالما نطق
بالحقِّ ثمانيةَ أقراصٍ و ستبتلِعُها دون خوف... و مع هذا...
لن تموت...
و ستنجو...
و مازلتُ .. إلى الآن ... لا يمكن لي أن أقول
أن الإنسان يحبُّ الموت.
لا أحد هُنا يحبُّ الموت...
كلُّ ما يَجرِي هو أنَّهم يجرُّوننا إليه.