"أ أحضرت المال؟"

-كلُّ ما أملك.

"لا أفهم لماذا قمت بحشو الحقيبة بالقمح، قبل وضع المال بداخلها، و لكن أيّا كان، توقّع رصاصةً في رأسك خلال اليوم الذي إتفقنا عليه. تعرف القواعد جيدا، أنت تحدد اليوم و نحنُ نقرّر موتك ما إن كان سيحدثُ صباحا أو مس.."

- القمحُ من الأرض، و الأرض تشتاقُ طفولتنا كثيرا، و طفولتنا تشتاق الركض فوق الأرض، و الركض يجعلك تسقط، و السقوط يرسل بك تحت الأرض.

***********

لقد عِشتُ طفولةً عادية جدّا، لم أكن أحتاج أن أبذُل أي مجهودٍ لجلب المال. ما كان يأتي إليَّ لم يكن بالكثير، و لكنّه كان كافٍ. لم يجلب لي يختًا أو حاسوبا من آخر طراز، و لا عربةً حديدية مملوءةً بالحلوى، و لكنّه كان يجلب الدفء.

بطريقة ما، و لا أعرفُ كيف تماما، صارت المادة هي كلَّ شيء.

في الحقيقة، يُقال أن الكبت يخلق الهوس. و البشر صاروا مهووسين بالمال. لقد كبتوا الغرائز الجنسية، فصرنا مهوسيين بالجنس. لقد كبتوا الحقيقة، و صرنا صناعة محليّة ناجحة للكذب.


اليوم، هو يوم العقاب. بدلة زواجي الأنيقة التي إخترتها بنفسي لإبهار أكثر من نصف الحاضرين تبدو في حالة جيدةً للغاية، كم أودُّ أن أشارك صورتي مع متابعيّ على إنستاغرام و لكنّي أهملته منذُ أن صار يحول النساء إلى مؤخّرات أو صدريْن.

زوجتي لا تقلُّ جمالا عنّي، ها هي تبادل والديها الجالسين أمامها بين الحضور بنظرةَ فخرٍ. "لقد فعلتها، لقد أثبتُّ لكم أنّني أصلح إلى الزواج، رغم أنّني تركت الدراسة منذ سنّ العشرة سنوات. الآن سيُعاشرني رجُل لديه عملٌ و سيارة و بالتأكيد منزل لا يدفع إجاره لأنّه منزله."

والدي يجلس في ضفّةٍ ما من القاعة، هو نفسه يقدّم لي وجها محتارا: بين الإبتسام و إقناع نفسه بأنّه سعيد، أو العبوس و الشعور بالأسى من أجلي لأنّي بصدد القيام بنفس الخطأ الذي إرتبكه عندما تزوّج أمي.

اليوم، هو يوم الحساب. كلُّ منّا سيهدى يوما أو ساعة أو حتى دقيقةً، لإصلاح خطئه أو خطإ غيره. 

أشعُر بالسوء بخصوص والديّ لأنهم سيكتشفان أنّني لم أدفع مصاريف حفل الزواج بعد، و الأسوء، هذا إن عرفوا أصلا، أنني وهبت كلَّ ما أملك من مال، و شقق، و مفاتيح سيارات، و عقارات، لقاتل مأجور، حتى يطلق رصاصة في دماغي في وقت يختاره هو من اليوم.

عندما يحين موعد الزناد، سيُصاب الجميع بالهلع و الذُعر، و خلال بضع دقائق فقط، سيكتشفون لماذا إخترت أن أتزوج و أموت يوم عيد ميلادي التاسع و العشرين. لطالما آمنت أنّه عيبٌ و حرامٌ و معصيةٌ أن تصل إلى سن الثلاثين و أنت لم تجد نفسك بعد. لنقل أن تلك المدّة، أي التسع و العشرين سنة، هي المهلة التي منحتها لنفسي، حتى أجدني.. و لكنّي فشلت.

عملتُ خطايَ نحو المايكرفون الذي سيستعمله مغنّي الفرقة، طرقته بإصبعي الأوسط كي أتأكد من أنه يعمل، ثمَّ أشرت لأحد النادلين حتى يُناولني كأسا من قارورة النبيذ الأحمر التي أحضرتها إلى الحفل خلسةً، فلبّى طلبي سريعا و لكن بتردّد.

لقد إحتاج الأمر بضع ثوانٍ فقط، حتى أرى التعجّب و الهمسات بين الحضور، بسبب فعلي المشين و المخلِّ بالأخلاق. تناولتُ شرابي حتى آخر قطرةٍ بشغف، ثم نظرتُ إلى الحضور و بدأتُ في مخاطبتهم.

"شكرا على حضوركم، أنا سعيدٌ جدّا بـ... آه... أقصد...أ تدري ماذا، ما كنتُ لأتزوّج لو كنتُ سعيدا. و هذه هي الحقيقة التي يدركها معظمكم هُنا."

القلق و التعجب يتناب الحضور، كل المتزوجين يبدالون بعضهم نظراتَ إشمئزاز خفيفةً و مخفية، عدا أنهم حاولوا أن يغطوا إشمئزازهم بالتعجّب من الهراء الذي ألقيه عليهم.

"و مع هذا، أنا سعيد بهذا اليوم لأنني أخيرا، و لأول مرّة، أتلذذ الكاريزما خاصتي، و رجولتي، إنّني الليلة فخورٌ بنفسي لأنّني و مرّة أخرى، أتمكن من إتخاذ قرار يضع حدا لكل شيءٍ يهدد راحتي."

"في سن التاسعة عشر من عمري، بدأت المدرسة بإزعاجي فرحلتُ عنها رغم أنه لم يبقَ سوى بعض الأشهر على تخرجي منها، و في سن الثانية و العشرين من عمري غادرتُ العمل الذي حاول إستغلالي و سرقة سنوات من عمري، رغم أن راتبي و مكانتي الإجتماعية، كان الجميع يحترمها."

أثناء ممارستي خطابي.. لمحتُ آدميا ممدا على بطنه، فوق سطحٍ ما، يتابع خطابي بكل هدوء و صبر. و كأنه ملاك الموت الذي تخلّى عن العادات و التقاليد و صار يحصِد الأرواح بسلاح "Sniper".

بلعتُ ريقي لأنّني صرتُ خال من الكلام، على الأقل، كلام يقنع الجالسين أمامي، الذين سمحوا للدهر بسرقة أيامٍ، بل سنوات من عمرهم. 

ختمتُ خطابي بشكر الحضور، ثم نظرتُ إلى زوجتي و أهديتها نظرةَ إعتذارٍ و شعور بالذنب، ثم إلى عزرائيل الآدمي.

لقد حان وقت الزناد، رأسي تخترقه رصاصةٌ و يدي تفلتُ كأس نبيذ، تماما كما تمنيت أن أموت. أن أموت محتفلا، لأن الموت ليس النهاية، بل بداية جديدة، رغم عدم إيماني بما بعد الموت.

النادل يسحب جهاز تحكّم، و يشغل الشاشة الكبرى التي خلفي التي بدأت في بث شريطٍ أعددته بنفسيو الذي فيه الإعترافاتُ العشر.

- السعادة هي ثوانٍ معدودةٌ قبل بداية إشتغال الSourcecode 

-الSourcecode هو لغة برمجية خلقها الإنسان لوضع أخيه الإنسان الآخر في جملة من الصراعات مع نفسه، حتى ينتهي بالإنتحار.

-الإنتحار لا يعدُّ إنتحارً إن كنتَ قد دفعت مالا للشخص الذي سُينهي أمرك.

-النساء هنّ كذلك جملة من خيبات الأمل، فإن لم تكن الفتاة التي تواعدها عاهرة التصرّف، فإنها ستكون ملائكة جميلة، ذكية، محبّة، تصارع العالم بأسره من أجلك، لكنّها تموت في النهاية.

-مازلتُ أحتفظ بتنّورة حبيبتي التي رحلت عنّي، و كون أن رائحة حبيبتي لم تعد عالقةً فيها بعد، أمرٌ يحزنني أكثر من موتها.

-لطالما إحتميتُ من لعنة الSourcecode في غرفتي رفقة حبيبتي.

-لا فرق بين الSourcecode و الSocial Media، كلاهما مدمِّر.

-ستخطأ مرة واحدةً في حياتك و تعتبر الشركة التي تعمل لصالحها و كأنها ملكك، فتخدمها بجدٍّ، و لكنّهم سيجعلونك تندم على ذلك و محاربتك حتى تصبح أكبر عدوٍ لها. 

-المشاعر و العمل لا يجب أن يختلطان. ثم إذا نجحت في إبقاء كليهما بعيدان عن بعضهما، سيُصيبك الإحباط و تتمنى الموت كل صباح، على أن تذهب إلى العمل.

-لقد فشل الإنسان في أمرٍ و نجح في آخر، الأول هو إبتكار المال، أمّا الثاني فقد نسيته.