ماذا لو أنه بإمكانك الطيران؟

لِنسبق ترّهات المقدمات.. ماذا لو قررت أنتَ متى تحضُر الفيزياء؟


لا يركبكَ الفضول لسماع المزيد، إنّك على وشك التمرّن على الإنتحار.



كُنتَ بعوضةِ كغيرك من البعوضات مُقحما بين المارة، هكذا رأتك عدسة البناء العصري المُترفع ذاك الذي طِرتَ إليه أول ما أخبرتُك أنّه بإمكانك الطيران. شاء فضولك أن ترى عيناك ما هو عليه وضعُ مدينتك المزري من أعلى، لأنه لم يحالفك الأمر أن تراها هكذا من قبل. طرت إلى سطح المبنى.. عانقت السّحاب.. ضحكتَ ثم أشفقت على حال البعوض، الذي لطالما تمنيّت ألا تكون مسحوقًا مثله.. ثم راودتك أولى الأفكار التي شجعتك على ملاحقة تلك الطائرة.. نعم، تحلق أنت و هي على نفس المستوى، بنفس السرعة.. تغمُرك السعادة.. شعور ممزوج بالحماس و القلق.. أي حياة مزرية ستقبل بالعودة إليها بعد إكتشافك المذهل هذا.. أيَّ من أصدقائك المقربين سيصدق أنك طرت؟


الحياة المادية.. حلّقت و طرت و صرت قرينًا للسحب... الآن، ستراودك أولى الخطط الشيطانية بغية الحصول على العُملة... المال.. النقود... لقد قلتُ لك أن الفيزياء لن تعبث بمزاجك إلّا إذا شئت أنت هذا...

هاكِ... حقيبة جلدية سوداء محشوة بالمال... عشرةُ حقائق... طيب، آلة كاملة ستصنع لك ما شئت من المال.. ثم ماذا؟

ستغذي بطنك الجائعة، التي تمرّنت على رحي الخبز و الخضر و تلك الأكلات التي لا تحبُّ معضمها.. ستشتري لنفسك كل ما شهيت من السيارات و العقارات و السُفن و الطائرات، هــا.. لأنك مواطن طيّب و السرقة ليست طريقتك في العيش.

ثم ماذا؟


تفضّل، الفيزياء في خدمتك. أ ضجرت الطيبة؟ طِر نحو ذلك المبنى الذي راقصتك السعادة فوق سطحه، فل تكن عينُ الشفقة عدستك، حدّق بذلك الحشد المسكين من البعوض... أ تودُّ النزوع إلى الشرِّ بعد؟


إرفع بهؤلاء المارة المساكين آلاف الأمتار إلى الأعلى بقبضتك الوهمية، ثم متّع ناظريك بمشهد سقوطهم بأعلى سرعة نحو الأرض، حتى يصبحوا كومة مسكينة من العجين الذي يسبح في دمائهم...


أ تودّ النزوع إلى العدوان أكثر؟ أموالك كلما إنتهت جددتها... كلما ضجرتَ أمرًا صلّت لك الفيزياء ركعتان و سجدت، ثم جاءت لك بقربان من الصنف الذي شئته... أي تهوّرٍ لم تقم به بعد؟


أ ترى تلك الحياة  التي بالأسفل، التي أشفقت عليها منذُ أيام؟ تلك الحياة لا تستحق العيش، فسخرنا لك طاقة تمتعك قليلا.. حياةُ الكن فيكون.. و ها أنت ذا.. لا تجد أي مصدر للمتعة فيها... أ خلت أنّ السعادة متجددة هنا، على عكس الوضع بالأسفل؟


يأخذ بك جناحاك الوهميان نحو الأسفل.. و يبطئ من سرعتك خوفك من العودة... 

تقودك أرجلك نحو نفس المبدأ، الذي ستقصد سطحه هذه المرّة عبر السُلّم... ستطلب من الفيزياء معروفا أخيرا،ـ أن يُقتل شعروك بالرغبة في البقاء. ها أنت ذا تصل حافة البناء، و تسمح لجسدك بالوقوع إلى الأسفل...

ها أنت تسبح في حوض دماء المارة بالأسفل، و ها أنا هنا أشفق عليك و عليهم، مترشفّا قهوتي التي دفعتُ ثمنها، و لم أسرقها.