يبدو أن السفر إلى هناك أسهل هذه المرة.. الأمر لا يحتاج الكثير من الإحباطات.. ها هي الأهرامات ترحب بي.. طويلة.. عريضة.. عظيمة.. لستُ أدري لماذا تبدو الرمال تحتها حمراء بعض الشيء.. أعتقد أن إبداعي هذه المرة فشل في إستنباط فئة رملية مناسبة.. و فشل في إفتراض بيئة ملائمة مع وجهتي الموعودة.. ها قد بدأ ذلك الجسد المنبوذ بخداعي... آه.. ليتني أستطيع قطع هذا الحبل الفضّي بيننا.. إنتظر.. لقد قطعت وعدا.. قطعي الحبل لا يعني شيئا سوى بقاءً أبديا هنا.. في عالم الإفتراضات التي هي بعيدة كل البعد عن الوثوقية.. 

يأخذ بي كياني الطائر بعد برهة لبعض الأحياء القصديرية التي أشفق على معمارها الرث و الفقير.. أستطيع أن أرصد من هنا مارةً مخذولين إسودت بشرتهم بحر الدهر... المساكين قضوا عقودا يسعون وراء لقمةٍ، و لم يجدوا في النهاية سوى مسكينٍ حقير محظوظون هم لو وفقوا في دفع إجاره نهاية الشهر.. أدركتُ حينها كم أن الحياة في الأسفل مزرية.. و كم أن الماديات مشقة و عناءٌ.. كنت دائما أحلم بتجربة ممثالة. أن أطير في الفضاء عاريا دون أن أشعر أنه علي الركض نحو أقرب قطعة قماشٍ أستر بها نفسي من أعين حشود.. كم تمنيت أن يصبح البليونير في العالم الذي أخترعه هو المتسول، و يصير عاري الفخذين، مثقوب الجيبين ملكا.. 

ألقت بيا أمواج السفر نحو لافتة، يحملها الريح و بعضٌ من خيبات العقود، كُتب عليها بلغةٍ لم أتمكن من معرفة إسمها، و عجبتُ لمقدرتي على فهمها.. "اليوم هو اليوم الثامن من الأسبوع، يوافق الثاني و الشعرين من يوليو." تمكنتُ حينها على إدراك الساعة.. إنها الساعة خامسة و العشرون.. النهار و الليل هنا بصدد ممارسة الرذيلة معا.. إنني أرى نجوما في الأفق، أستطيع قضم واحدةٍ منها لو شئتُ.. أو حتى إقتلاعها بشعرات كياني و الرمي بها نحو الشمس التي لو رقصت على سطحها عاريا.. أقصى ما تقدر على تسبيبه لي هو تذكيري بحرارة ذلك الأبله المستلقي على الفراش.

مصرُ جميلة.. هكذا وددتُ أن أؤمن.. حتى لا أقنع نفسي بالعكس و حتى لا أعترف بأن مصير هؤلاء المساكين اللذين يطوفوق حول الأزقة بلا هدف كطواف عبدٍ مؤمنٍ وسيمٍ أهمل حلاقة لحيته لأسابيع حول الكعبة.. أود أن أقوم برحلةٍ أخيرة.. نشوة هذه السفرة مازالت تتصاعد، ثم إني أخاف ألا أكون محظوظ مثل هذه المرة و أنجح أخيرا في مغادرة نفسي.. أعتقد أنني سوف أبني عالما من لا شيء.

هل سأقدر؟

كنتُ كهلًا سعيدًا طائرا نحو الأفق مجردًا من ملابسه.. إرتسمت على ثغري بسمة لم أختر بنفسي مدى عرضها.. كانت لي ذقنٌ تلاحقت شعراتها البيضاء بالسوداء و قبلت إحداها من صنف إلى أخرى من آخر.. كُنت أهوى المغامرة.. كنتُ دائما أتمنى لو أن جسدي العشرين المتعرق في تلك الغرفة الموحشة يتوفق عن التقدم في السن في حدود الأربعين، فتقع في حبي كلُ مراهقةٍ صافحة معصم الثماني عشرة  سنةٍ.. و لكني أيضُا كنت أملك طفلًا صغيرا مقحما بداخلي.. يهوى اللهو و اللعب.. سأبني الآن فضاءًا جميلًا أمتع ناظري بوساعته و طرافته قبل المغادرة..

ها أنا ذا أرصد بُعدا ثلاثي الأبعاد، رمادي اللون.. تمكنت من بناء أرضية عشبية فوقه، دون أن تحملها أي عوارض من الأسفل، و دون أن تقع و تُلقى في العدم... قمت بنسخها و تكرار بناءها مرات عديدة حولها.. صارت لي أرضية واسعة، تمكنت من بناء بعض الجدران الرخامية فوقها... شئت بعدها أن أُوجد سبعةَ مقاتلين، أكون أنا ثامنهم.. وعدتهم بألا أستغل قدراتي الخارقة في تغيير قواعد اللعبة.. وافقوا، و مضوا في القتال بعد أن زودتهم بأسلحة أوجدتها لهم..

وافقوا، و كأن لو كان القرار يعود إليهم أساسا...