كما هو الحال بين الآلهة و العبد.. سينفخ الأول في روح الثاني و يجبره على مغادرة ملايين السنين من النوم العميق في العدم نحو بُعدٍ إختار حدودهُ هو كما رسم قواعده كما شاء و أراد مزاجه.. ثم تفنن في تعذيبهم لمعصيتهم تلك القواعد التي قام بصياغتها في لحظة طيشٍ و ضجرٍ عشوائيين..

إبتدأت المعركة كما خططتُ، سمحتُ للفيزياء أن تتنازل و تتواضع و تسمح لنا بأن نحظى ببعض الجاذبية و أن تكون لنا أرجل و أيادي تعمل حقا.. ثم طلبت من تلك الفيزياء أن تبتكر جاذبية "شاذة" تسمح بقفزٍ عالٍ لمدة و مدًى أبعد و أطول..

كانوا يسلطون عليَّ طلقاتٍ كانت ترتد كلما إصتدمت في كياني، قبل أن ترجع نحوهم و تصيبهم.. بدأوا في التذمر، و التحجج، و معاملة فعلي على أنه تصرف غيرُ عادل أو منصف.. شعرتُ بنوعٍ من الغضب الحياتي و الوجودي.. فوجدتني دون سابق تفكير أقوم بتحويل سبعتهم إلى كرةٍ و عجن بعضهم البعض و الإلقاء بهم خارج فضائي.. كان غضبا ليس بالغريب عني.. أحس أني شعرت بمثله قبل هذه اللحظة.. بدأت رجلاي في الإرتخاء.. بدأت أشعر أن الجو يزداد حرارةً أكثر من المعتاد.. المدينة الإفتراضية التي قمت بتشييدها تكاد تقع عليَّ من الأسفل.. بدأت أشعر الغثيان، و كأني على وشك ترجيع ما أكلته طيلة حياتي.. ينبثق ببطئ حول و يتقارب صوتُ رنين بدا في البداية ضعيفا و سرعان ما بدأ في التصاعد و الإقتراب،  كأنه هاتف من حياتي الأولى يرنُّ...

إستيقظتُ في غرفتي إستيقاظًا متوترًا في الظاهر و لكنّي إستشعرت وراءه راحة و إطمئنانا ما.. لقد كنتُ كامل الوعي بما يحصل.. نهظت من الفراش و حدقت بتمعن في معصمي.. ثمّ بدني.. كانت مؤخرتي حقا ممدّدة على السرير و كان السرير ذاته خاضعا للأرضية.. أدركت حينها أنني بدوري خاضع للفيزياء.. و لكن هناك.. في بعد ما آخر، تمكنت من هزيمة تلك القواعد.. و تشكيل بعدٍ خاصٍ بي على هواي.. رغم أن التخطيط و التدبير خذلني.. لم أعلم أبدًا أنني قد أجد نفسي في مقرانة، أنا، عبدي الحقير.. في كفة، و آلهة، خالقة، مبدعة و لكن مضطهدة، في كفة أخرى...

غادرت السرير في خطوات بطيئة مازال صاحبها يدرك الوجود رويدا رويدا، و حدقت في المرآة التي علقت على خزانتي.. تأملت في نفسي.. أمعنت النظر في التشوه الكامن في عنقي، ذاك.. الذي حملته منذ ولادتي.. حتى يكون السؤال : من أين لي هذا؟ ما حقيقة هذا التشوه؟ هل سأكتفي بالبحث حول المسألة في الإنترنت و أصدق ذلك المقال الأول الذي أجده أم أنني.. أم أنني قادر على السفر من جديد، حتى أعلم الإجابة؟

عانقت نفسي بأذرعي حيث أواسي جسدي بمعصميَّ من حرارته المرتفعة و حدقت في عيناي عبر المرآة، ثم إبتسمت بعرضٍ و بهجة.. كنت أرى في تعابير وجهي عددا من الشخصيات التي شعرتُ أنني قابلتها منذ زمنٍ قديم.. ذلك الأربعيني الجميل.. العشريني الذي هو أنا، و الطفل المغامر الذي حتما سأجده في رحلتي القادمة.


يتبع...