إنها الساعة السابعة صباحًا، إستيقظتًُ من النوم بعد سماع المنبِّه الذي وعدت أنني لن أتجاهله - بدأت في تعاطي قسطي من الراحة الذي كافئت نفسي به بعد سبعة ساعات من النوم المرهقة. إنفتحت عيناي على سقف غرفتي، ثم بدأت في الإنزلاق ببطئٍ عبر السقف متابعة إياه حتى ركزت على جدار الغرفة التي يقابلني، أين بدأت أدرك أنني قد إستيقظت، مرةُ أخرى، في نفس الغرفة المُضجرة، التي أهملت ترتيبها لأشهر... أشهرٌ.. آه.. الوقت... ليته يتوقف، أو لما لا يضمحلُّ تماما.. آه لو يتمُّ إقحامي في بعدٍ إفتراضيٍ، أقرر قواعدها و مصيره و الكائنات التي فيه أنا.. إنها السابعة و خمسُ دقائق، و جسدي المرهق مازال يصمم على مضاجعة فلسفة فاسدةٍ بدل النهوض و السعي وراء هدفٍ حياتيٍ نبيلٍ ما.. لقد فكرتُ لبرهة، و أدركتُ أنني أستطيع أن أهدي نفسي المزيد من الراحة، ثم بدأت في سرد قائمة من الحجج على نفسي، حتى أقنع ذاتي أنني مرهق و ضحية و مسكين، يستحق بعض الراحة. و كان لنفسي المتعبة ذلك..أغمضت عينايَ،، حاولت ألا أستسلم إلى النوم من جديد.. بسطتُ جسدي على الفراش، رافدا أطرافي فوق سطحه.. وجدتني بعيدًا كل البعد على أن تكون تمنياتي المزيد من النوم.. بدأت الأفكار تراودني، و بدأت أحداث أيامي القليلة السابقة تُقصُّ على ذهني.. شريط هُنا يذكرني كيف أحرجت نفسي أمام فتاةٍ كنتُ قد أعجبتُ بها.. سابقة أخرى توثق تاريخ آخر يومٍ صليتُ فيه ركعةً صادقة و نبيلة، قبل أن أجد نفسي مقلعا عن الصلاة لسنوات بعدها.. كانت تجربة ممزوجة ببعض الندم و السخرية.. نعم، لقد كُنت موهوبا في فن نقد الذات، كُنت قادرًا على مراجعة نفسي بصراحة، و تحديد أخطائي و المضي في البحث عن حلول.

إنقضت دقائق، أو ساعات.. لستُ واثقا، لقد شعرتُ أنَّ السرير يقوم بتثبيتي إليه، و كأنه رجلٌ عجوزٌ في السبعين يقدِّم لي كأس شايٍ مرفقًا ببعض الحلويات، يستضيفني في جناحه بُغية إقناعي بأن مغادرة الفراش ليست بالقرار الذي يستحق العناء.. مرت ساعات.. خلى ذهني من التفكير.. عيناي مغمضتان منذُ ساعات و مازلت مصممة على عدم الإنفتاح.. إنصهرتُ لبعض اللحظات في نطاق ساخن.. نعم.. ساخن.. لستُ أدري لماذا تصر درجة حرارتي على الإرتفاع.. أ هو الطقس خارجا؟ خارجا... خارج ماذا.. خارج غرفتي؟ آه.. يا بُعدي الإفتراضي.. أين أنت.. ليتكَ ترمي بي خارج كوكب الأرض، و تحتجزني في مجرةٍ ما، ثم تقوم بصفعي خارجا منها، حتى ألمس ذلك الجدار، الذي يمثل حدود الكون. حدود الكون؟ من قال أن الكون له حدود؟ أ خارج المجرات ينتهي بجدار إسمنتي مكتوب عليه "قف، لقد وصلت إلى نهاية الحدود الجغرافية للكون"؟ 

أشعر بالقشعريرة. أشعر أن جسدي يرجف، و لكنه ليس يرجف.. أشعر و كأن يدي إنقبضت و وُجهت إلى الأعلى.. و كأن جسدا موازيا يغادرني.. سبق معصمي الأيمن الأيسر.. ثم رجلي. اليُمني بعدها اليسرى.. و سرعان ما إنضمت بقية أعضائي.. يا للالعجب.. إنني.. إنني أغادرني.. إنني أرى نفسي أحلق في فضاء غرفتي.. و الأغرب.. إنني أرى نفسي مستلقيا على الفراش، تبا، كم إنني نحيف.. أقصد.. كم أن ذلك الجسد المستلقي على الفراش نحيف.. أما أنا؟ أنا.. ما الأنا؟ أ ليست تلك الجثة المستلقية على الفراش هي الأنا؟ أم أنها تلك الجسم الموازي الذي يسبح تحت سقف غرفتي؟

حدقتُ بالنافذة... لقد كانت مغلقة.. كنت دائما أحرص على غلقها قبل النوم، حتى لا يفسد نومي أبناء الجيران الذين يركضون في الصباج كل يوم.. غادرتها.. مررتُ منها، مرور جسمٍ لم يخضع للجاذبية، و لم يرتطم بزجاجها و لم يكسرها.. غادرت الغرفة دون أن أخضع لأيٍ من القواعد التي وضعها ذلك الأخ الأعرج الذي لم يشكر الله على التفاحة التي سقطت من الشجرة و قبلت رأسه.

إلتفتُ ورائي، رصدتُ ذلك الجسد المسكين المستلقي على الفراش.. وعدتُ أنني سأعود. لا طمعا في عالمه المضجر.. و لا إشفاقا عليه.. مضيت طائرا نحو المُدن.. أشاهد المارة الذين لم تُشفق عليهم الحياة.