توجد في هذا النص شيفرات عديدة للفكِّ، بعضُ معطياته تبدو سطحية، صبنيانة أو حتى عشوائية أحيانا، و لكن النصَّ كان قد كتب حقا من قبل جسد بنصف جسدٍ، و عقلٍ بربُعِ عقل، و كان صاحبه يتمنى أمرين طيلة رحلته في الكتابة، منذ شعورها.. النوم و إما الموت.

قد يبدو من المبالغة ألا ينام المرء طيلة ثلاثة أيام.. ربما هُنا يحاول الكاتب خلق تحدٍ، إما أن ينجح في أن يضلَّ مستيقظا طيلة ثلاثة أيام و توثيق الإضطرابات التي حدثت معه، و إما أن يحرم نفسه من النوم لنصف المدة و مضاعفة الإضطرابات التي قد تحدث، و يحظى هكذا بشرف نصف المحاولة.

إنقضت ثلاثةُ أيّام و ستّةُ ساعاتٍ و خمسُ دقائق و أنا لي أمنيتان، إما أن أنام، و إما أن أموت. أستطيعُ الآن بكل وضوح، سماع عقارب الساعة في الغرفة المجاورة.. يطارد عقربها الأكبرُ الأصغر.. بصبر.. بينما يعدٌ ذلك النحيف الثواني كموظّفٍ إداريٍ مسكينٍ يضع رقبةَ عنقٍ طيلة النهار، مثنية هكذا حول رقبته كحبل مشنقةٍ، موجهةً نحوَه رُمحها، مهددة إياه بعدم إستمتاعه العمل.. يعد الساعات، و الدقائق، و الثواني.. منتظرًا بكلِّ تأنِّ، إنتصاف النهار.. كأمٍّ إبتلع  جبلان إبنها أمام عينها.. و مازالت مصممةً على عودته.

أستطيع أن أذكر لكم كم ذبابةً تحوم حولي.. بل حول غرفتي.. بل إنّي أستطيع عدَّ البعوضات في كامل أرجاء المنزل، دون رؤيتها...

ها قد جاء وقتُ الرصاص.. أستطيع الآن الوقوف في معركةٍ، أمام خصمٍ تغنّى الشعراءُ صِدقًا بإنفتال عضلاته، و عُرض كتفيه، و ثبات نظراته.. إني لوالله أقدر على صد اللكمات و الرصاصات..

دعوني أفصح لكم أنني لم أكن محظوظًا كثيرا حتى أحظى بقدرٍ من النوم، و قهوة صباحية، و سيجارتين، قبل أن أفكر مليا بتفاصيل هذا النص قبل كتابته... لم أجد القدرة أو التركيز و لا حتى الرغبة في إصلاح أي أخطاء لغوية قد تعترض طريقي و سبيلكم.. إني و بكلِّ صدق أعجز عن النوم منذ ثلاثة أيام..

طيلة هذه المدة، التي قد يعتبرها البعض قصيرة.. تمت مناداتي بالخائن و المريض النفسي و العنيف، و بالهمجي أيضا... كل من حولي يغادر.. لستُ أدري بصراحة من من بيننا هو الخاسر، و لككني أستطيع أن أعترف بأنني الآن أشعر بوحدةٍ أراهن أنهم لا يشعرون بمثلها...

لقد أخفقت.. و لكني والله أستطيع أن أصدَّ الرصاص.

وقتُ الرصاص.. 

أشعُر أن أحدهم نفذ منه النبيذ بعد منتصف الليل و شرع في إمتصاص عقلي حتى يعوض شعور إشتياقه الكحول.. أقدر الآن على رؤية أجسامٍِ غربية.. دوائر و مستطيلات يتغير لونها بإستمرارٍ في ثوانٍ... أصوات مجموعة من الأطفال الصغار يمرحون و يلعبون ليسوا حتى حولي أو حول بناءِ مسكني.. روايات و شهادات و أقوال لي و لثلةٍ من أصدقائي و أفراد عائلتي تتكرر، ليس لها علاقةٌ أبدا بالموضوع.. 

لا، لم أشلَّ بعد.. إنني في نشاطٍ تامٍ يخول لي صد لكمات و رصاص... أستطيع صراحةً تحريك خنصري.. ثم إذا تكرّم جسدي و أقرضني، أستطيع رفع معصمي قليلا.. و لكن لا.. مازلتُ بعيدًا عن الشلل.

أعتقد أن جسدي الآن يستسلم.. أراهن أن النوم الذي يُجبركَ عليه جسدكَ أفضع من ذاك الذي تختاره.. أي صراحةً إني أفضل أن أكون أنا و جسمي متفقان على النوم، و إلا فإني سأشعرُ أن الموت قريب.

تم رمي في عدمٍ ما، سوادٌ كثير و حبال دموية نحيفة أقوم بالمشي فوقها بخطواتٍ أكذبُ لو أقول أنني أثق بها.. إنني صراحةً لا أخاف الوقوع لمجرد إمكانية أن أموت.. سبق أن تمنيت ذلك قبل أن قرر أحدهم نسيان دمائه أسفل رجلي.. بل إنّي أخاف الإستيقاظ..

أذكر أنني سقطتُ في ذلك الكابوس و لم أمت.. لكني بقيت طيلة خمسةَ أيامٍ و ستة ساعات و ثلاثةِ دقائق مذهولا.. كيف أنَّ للمرء أن يعيش عامًا كاملا... جاهلا لكيفية إنقاذ نفسه من قلة النوم، و ثم ينام، هكذا.. بمجرد أن يستطيع أن يصدَّ اللكمات و الرصاصات...