جُرمُك بين لا شيئيين هو أنَّ لكَ شيءٌ | قصَّة قصيرة، معتز الحاج سالم



تقَعُ قريتي في مكانٍ ما غيرُ محسوب، غيرُ موجود.. إسمُها اللا شيء، و يُعرفُ سكَّنها باللاشيئيين... هم أساسًا لا شيء. هُنا لا يُطلقُ عليك إسم رشادٍ او فُراتٍ أو مُحمَّد... هُنَا ينادَى للجميع بــ"يا لا شيء"... لا تسألني كيفَ يُميَّزُ اللا شيئيون بين بعضهم البعض... لأنَّهم ببساطةٍ، لا شيء، فكيف تطلُب أنتَ مُميِّزًا بين لا شيءٍ و آخر لا شيءٍ مِثله؟
أمَّا أنَا، - مع كاملِ طلبي الغُفرانَ من الآلهة – كانَ جُرمي، - و أنا واحدٌ منهم – أنّني إكتسبتُ شيئًا. سَقطت عنّي فور إكتساب الشيء تسميَّةُ لا شيء، و هُنا تبدأُ المُشكلة.
أذُكر ذلك اليوم، حينَ كُنتُ أسيرُ على لا شيءٍ مُحاطًا بنظراتِ اللا شيئيين الجالسين في مقهًى لا معنَى له . يلعبون ورقًا لا معنى له. يشربون شايًا لا معنى له. حياتُهم أسَاسًا كانت بلا معنَى، يدخِّنون سجائرًا، يملأون فراغًا من يومهم، و يمارسون الموت.
أعيُنهم كانتَ تطليني حِقدًا... الكُره يعتلي جُفونهم، و الشتائم و المسبَّات اللا شيئيةُ كانت تستعدُّ حتَّى تُغادر أفواههم.
قُلّي بماذا تشعُر إذا رفِضك الجميعُ فجأةً؟ أ لا تُقحَم مجموعةٌ من الخناجِر في وسطِ قلبك؟ أ لا تلهبُ فيك نارٌ،  و فجأةٌ يظهَرُ حِقدُك؟
نعم، لقد إمتلكتُ شيئًا... و للأسف، لم يكُن ذلك الشيءُ الشعور. صحيح... كنتُ لا أشعُر إطلاقًا.
من كَفل هذا الأمر بي؟ من منحني هذه الشهادة؟ من قال أنّني لا أشعُر؟ أنا فعلت... صح... لكنّني لم أُثبت ذلك.. فإن كُنت لا أشعُر يا أصدقاء، فمن قادني يومها نحو هؤلاء اللا شيئيين؟ من حملني أنا و أرجُلي نحوهم بنيةِ إفتعالِ شجارًاأو  حتَّى لأشكو إليهم معاناتي مِن فِعلهم؟ أو لم يكُن ما أخذَ بي إليهم،
شعورًا؟
يسألني لا شيئيٌ و يقول:
-ماذا أتى بك إلينا، يا صاحبَ الشيء؟
-إنَّها أرجُلي... أنا لم أفعل.
-كفَّ عن إلقاءَ القصائد علينا، دعك من التفلسفِ و إدِّعاء العِلم و المَعرفة، و آذهب من هنا، فكما ترى... الجميعُ هُنا يودُّ قتلك.
-و لكن.. أنا... أشعُر أنّني رغم إختلافي عنكم فإنّي أنتمي إليكم... أنتُم عائلتي.. لا مكانَ لي غير مكانكم...
-أ لا تستحي على نفسك، مالكُ الشيءِ صارَ منَّا؟ أيُّ هُراءٍ يتفوَّهُ به هذا يا أصدقاء؟ أنت فاشلٌ. بلا قيمة. بلا مُستوًى. بلا صِفةٍ. أنتَ بلا شَ...
إنقطع صوتُه فجأةً، أمام مشهدِ وجهه الذي أُوضِحت عليه تفاصيلٌ أقرَّت بندمِ صاحبها على قوله...
قلتُ و أنا كُلّي ثقةٌ:
-دعوني أسألكم.. من أنا؟
يجيبُ لا شيئيٌ ثانٍ و يقول:
-أنت ذلك الأبلهُ الحامل للشيءِ و الثائرُ على عُرفِنا.
-عظيم... حسنًا... أ ليس هذا ما يُميِّزُني عنكم؟
-بلى... لكن ليس بأمرٍ بطوليٌ كما تظُن.
-سأسألُ سؤالًا أخيرًا. ما الذي يُميِّزُكم أنتُم عن بعضكُم؟
هُنا يعمُّ السكوت... تهمُّ الأعينُ كافةً في الإنشغالِ الأمور التي أمامها... أعينٌ يعترفُ باطنُها بالهزيمة.
أقولُ:
-أنا كسبتُ. إنتهت معركتي بواحدٍ لصالحي مُقابلَ صِفرٍ لكم. أنت قُلتها...
يسألُ أحدُ اللا شيئيين و الغضَبُ بادٍ عليه:
-من قالَ لك و ماذا قال؟
-أ لم أكُن أشرحُ مُنذ قليل... كلُّكم مُتشابهون... لو كنتُ أستطيع التمييز بينكم لأخبرتُك من قال و ماذا قال.
أُغادر المقهى بهدوء، تاركًا الجميع في بئرٍ تجرَّدت من المعاني... أُغادُرهم و للمرَّة الأولى، دون أن يكون دورُ الضحيَّة من نصيبي.