يُعدُّ المُسلسل
التونسي الذي تبثُّه قناة التاسعة تجيسدًا للرجلُ التونسي "الشهم" و العرّاب
المرفوعِ الرأس الذي يهابُه معظم سُكَّان الحي الشعبي الذي يقطُن فيه، الرجل الذي
يحترم و يحبُّ أمَّه التي تُبادلُه نفس الرضا و الإحترام بل حتَّى إنها تُعظِّمُه
و تُفضلُّه على إبنتها في معظم الأحوال و رأينَا كيف قامت بإحتقارِ إبنتها و
إهانتها أمامه و إخضاعها لخِدمته، و لمحنا أيضًا كيف أنها جلست على رُكبتيها كي
تقوم بغسل رجليْ إبنها.
في الحقيقة، الفريق
الذي ساهم في إنجاح العمل، من منتجٍ و مخرجٍ و كاتبٍ، مشكورون على العمل الذي
قدَّموه و جُهودُهم تُرى، على غرار نواياهم الراغبة في تجسيد ظاهرةٍ إجتماعية
قديمةٍ ما، و لكن...
هذه الظاهرة الإجتماعية
القديمة... لازالت ساريةً و صالحةً و
واقعةً...
إنَّ المصيبةَ تكمُن في
أنَّ الشاب التونسي اليوم، يعيش في بيئةٍ تحتقِرُه، تجعلهُ يلجأ إلى كلِّ السُبُل
لإظهار نفسه، على أنَّهُ ذو قيمةٍ، و في غالب الأحيان، يلجأ إلى طُرقٍ ساذجةٍ و
غبيَّةٍ جدًا، تجعلهُ يُزيِّفُ نفسه، و يدّعي خصالًا لطالما كان فاقدًا لها،
لإرضاء مُحيطِه.
إنَّ النصَّ الديني
الذي يُقدِّسُه أغلبية التونسيون، يُقرِّ بأنَّ مكانةَ الوالديْنِ مكانةٌ مُقدسَّة
يجوز المساسُ بكلِّ شيءٍ إلَّاها...
و هُنا تكمُن المصيبةُ
الثانية.
إحترام بطل المسلسل
لأمِه و رغبتُه الفادحة في الأخذِ بالثأر لأبيه – و هو الأمرُ الذي سنُناقشهُ
لاحقًا – قدَّمت للمُتفرجِ صورةً حسنةً على المواطنِ التونسي الذي لا يُمارس جُرم
عقوق الوالدين، الأمر الكفيل كفايةً، بأن يجعَل جميع تصرُّفاتِ البطل، بالنسبة
للمُشاهد، منطقيةً، بديهية، حتَّى و إن أقدم على أفضع الجرائم.
العنف، و هو فنُّ
يُجيدُه معظمُ التونسيين، بل إنَّهُ فنُّ يُلقَّنُ لنا منذُ الصبا، فحتَّى صِغارنا
اليوم، نرى كيف أنَّه سهلٌ إستفزازُهم في المدارس... و الأهم، أنَّ الترويجَ
لمكانةِ الوالدين العظمى في المُجتمع، كان أمرًا كافيًا كي يثور أطفالنَا فورَ
سماعِ أحدٍ يشتُم والدَاتهم، حتَّى أنَّ الصغار اليوم، إذا ما شاؤوا إستفزازَ
طفلٍ، يقومون بشتمِ أمِّه، علنًا، أمام حشدٍ من التلاميذ، الذين هم نفسهم سيقومون
بالسخرية من إبنِ الأم المشتومة، إذا ما لم يُقدِم على الأخذِ بالثأر، لأمِّه التي
خُدِش "شرفُها" أمامه، بالعنف.
لم نتخلص بعدُ من تلك
الثقافة، حتى عندما كبُرنا... و هُنا المصيبة الثالثة.
بينَما إنشغلتُ و
إنغمستُ أنا و ثلَّةٌ من المؤمنين بالقيم الإنسانية، التي نصَّت عليها إتفاقيات
حقوق الإنسان، من نبذٍ للعنف و العنصرية، في مقاومةِ العنف و التحريض عليهِ ليلًا
نهارًا، بالكتابة، و المظاهرات، و الأفلام القصيرة، يأتي مُسلسلٌ مثل مسلسلِ
"شورب" كي يُفسِد ما أنجزناهُ نحنُ جميعًا في حقلةٍ واحدةٍ فقط.
الحلقةُ الأولى كانت
بمثابةِ عمليةِ تنويم، حيثُ يقوم المُشاهد بالتأثر آليا بالبطل، و يشرعُ عقلهُ في
حساب عملياتٍ ذهنيةٍ سريعةٍ لا إرادية، و ترديد أسئلةٍ و إجابات لعلَّ أهمها من
قبيل: "أنا أُحترم أمي، و أنزعجُ إذا ما شتمهَا أحد" ثم "إذا أنا رجلٌ
مثالي، بالإضافة إلى أنَّ الجميع يكادون يجمعون على الخوف مني في الحي" و من
هنا، تصبحُ كلُّ الحماقات و الشجارات التي سيفتعلُها المُشاهد في اليوم الثاني
مبرَّرةً عنده ما دامتَ مُبررة في التلفاز و يقوم سريعًا و آليا في إرسال كلِّ قيم
التريث و نبذ العنف الذي تعلَّمها في المدرسة إلى الجحيم، و في غضون أسبوع...
يصبحُ لدينَا كمُّ ضخمٌ من الشورّب.
و ببساطةٍ، تبقى مثل
هذه المُسلسلات أخطر بكثير من المسلسلات التي تعجُّ بالأكشن و الدمار و القتل،
ببساطة لأن مُسلسل شورب مسلسلٌ عُنفُه يتماشى مع إمكانيات الشعب التونسي البسيط.