بعد تفشّي ظاهرة الرغبة الفادحة في هجرةِ الوطن لدى فئات مُختلفةٍ من المُجتمع، على غرار الشّباب و الأطفال كذلك، رأيتُ و أنّه من المنطقي أن أجسِّد هذا الوباء في شخصية الرضيع، كدلالةٍ على أنَّ هذه الرغبة تُصيب الناس بتسرُّعٍ و دون تفكير، حتى و إن كان الإدراك غائبًا ، نظرًا لإختيارهم الحلول السريعة بدل البقاء مع أنفسهم للبحث في مدى نجاعة هذا الحل المُتوصَّل إليه، و بدل التريث و وضع إحتمال إن كانت هنالك سياسةٌ خارجية تعمدت بعث هذه الرغبة في
الناس لخدمةٍ مصالحٍ أيّا كانت و نجحت أم لا.
بعد ولادته اليوم، و كلَّ يوم، في مُختلف مستشفيات الجمهورية التونسية، طالبَ رضيعٌ بأن تتم تبرأته من الجنسية التونسية، موضِّحًا أنُّه ذو مقامٍ أعلى و أرقى من أن تتم مُناداته بالمواطن التونسي، فهو حسب قوله يستحقُّ جنسيةً أعظم من ذلك بكثير، كالجنسية الألمانية، أو الأمريكية، أو السخط على رأسهية.
أضاف مولودُنا الجديد و القديم في الوقت ذاته، أنَّ سبب وجود الرغبة هذه عنده هي أنَّه لا يوجد مُستقبلٌ في تونس، و أنَّ شُعبة الآداب للحمقى، و هو ليس بأحمقٍ. و أنَّ شُعبة الإقتصاد للكسلاء و هو ليسَ بكسول. و أنَّ شُعبة الإعلامية جيدةٌ لكن الأساتذة اللذين يدرسون بهذه الشعبة "عندهم بيه بونتو" و أنَّهم يعيشون فقط كي يحرصوا على ألا ينجح و يجتاز السنوات الثانوية و الباكلوريا، حتى أنَّه قال أنَّ أمهاتهم حملت بهم لتسعةِ أشهرٍ لتلبية هذه المهمة، حرصًا على أّلّا ينجح هذا الرضيع. عندما سُئل عن السبب الذي يدفع الأستاذة لفعل هذا قال "هكَّا، يكرهوني. و ما عندي ما عملتلهم..." ظانًا أنَّ والداه لا يعلمان بأمر تشويشه الدائم على أصدقائه و أساتذته في القسم و بسلوكه اللا حضاري في المدرسة. أما الشُعب العلمية حسب رأيه، فهي حسب قوله "السيونس للأغنياء الأغنياء، يعن بو الأغنياء و المجد الفقراء أمثالي" و يُذكر أنَّه قالها و هو بصدد تصفحّه للفايسبوك بواسطة هاتفه الآيفون الثامن.
بعد إثارة هذا الرضيع ضجَّة وسط العامة، تم سؤاله عن الأطراف الذين تأثر بهم فقال أنّه يحب الراب التونسي كثيرًا، و الفنانون الذين يستمع إليهم كُثرٌ بدءً من كلاي بي بي جي و سامارا و غيرهم، اللذين حثّوه على هجرة الوطن و التفكير في ذاتهم قبل الجميع. طبعًا كان بمقدورهم نصح مُستمعيهم بالبقاء و المحاربة من أجل إنقاذ هذا الوطن لكن أستغفر الله العظيم من فعل قذرٍ هكذا، فالبؤسُ لوطنٍ كهذا و المجد للهجرة و الخيانة.
أيضًا يُذكر أنَّ هذا الرضيع تقدَّم في السن و نضُج ثم أصبح كلَّ هؤلاء اللذين يقطعون الطرق في الليل، و كلَّ هؤلاء الذين يحتجون على عدم وجود مُستقبلٍ في تونس، و هم تاكرون للتلعيم في الثامنة أساسي، و كلَّ هؤلاء الذين يظنّون أن الشمس تُشرق كلَّ صباحًا إلّا بفضل وجودهم في الحياة، أدامهم الله خارج رؤوسنَا، أقصد فوق رؤوسنَا.