في حادثةٍ جدَّت ظهيرةٍ اليوم، قرر العم
المُحسن، الوقور، الأشيب السكّير و لكنَّه عفيف – لا أدري كيف – عدم رمي القمامة
أمام جدار من الجدران في حيٍ ما بولاية المهدية.
و لعلَّ أنَّ السبب هو تلك الرسالة المُخيفة،
التي لا يهابها أحد : "لا ترحم والدين لي يحط الزبلة هنا". فالحال أن
كهلنَا الوقور أفاد أنَّه يعاني من مرضٍ نسيت إسمه، يتمثل في فوبيَا الخوف من
التهديد بالغضب الإلهي ... فحين رأى عمُّنا مُحسن ذلك التهديد المُخيف، تراجع
خطواتٍ إلى الوراء، و هو حاملٌ لكيسين من القمامة، خوفًا مما سيلقاه والداه إذا
أقدم على رمي القمامة هناك.
الغريب في الأمر أنَّ أبناء الحي عندما
لاحظوا الأمر سارعوا إلى العم مُحسن و قالوا له في صوتٍ واحد "يا عم مُحسن
ماكش نورمال والله معلّم"
ذكر عم مُحسن أن عيناه دمعتا عند سماع أبناء
الحي و هم يُعظِّمون تصرفه، فالحال أن لا أحد تجرأ على الخوف من ذلك التهديد
الفضيع، و أن فعله سيُدوَّن في تاريخ الأحياء الشعبية.
لكن ما خيَّب ظنَّ الجميع، و ظنَّ التاريخ
بالعم مُحسن، هو أنَّ رغم مرضه الذي من شأنه أن يكون قاتلًا، فإنُّه بعد سماع
تمجيد أبناء الحي، لم يتمالك نفسه و لم يقوَ على رمي الأكياس الإثنين في حاوية
القمامة التي كانت تقرب الجدار المقصود، فقام برمي واحدٍ في الحاوية، و الثاني
أسفل الجدار، ليكون الشخص الرابع بعد المليون في قائمة المُجازفين بإحتمال أن يرحم
الله أباء و أمهات هؤلاء الذين يرمون القمامة أسفل تلك الجدران.