جمهورية العدم | قصَّة قصيرة




جمهورية العدم، دولة إفتراضية تصب في نهرها ممارسات سياسي جميع دول العالم، إسمها مبتكر، إلا أن..جمهورية العدم توجد في كل دولة سوى كانت جمهورية أو مملكة. وللفاهم..أن يفهم.

شخصيات و أحداث هذه القصة هي من نساج الخيال، إلا أنها ذات علاقة واسعة، شاسعة و واضحة بالواقع.





في بلاد العدم، أو جمهورية العدم، أو أيا كان إسمها، لم أعرف يوما أحدا أحب لها خيرا، حكامها، ينتظرون الفرصة المناسبة دوما لخيانتها و طعنها في الظهر، جمهورية العدم تشكو من مخططاتهم، من أعمالهم و تدابيرهم الشيطانية، فقط، كي يعيشوا خالدين بأموالهم، لا بأرواحهم. فعلا، هذا ما زرعه الدهر في أذهانهم : "خونوا الوطن بالداخل، كي يكافئكم العدو بالخارج."

لي خير معرفة في أمور تلك الدولة، طوال سنين، لم تعرف إصلاحا.. في وقتنا هذا هي ليست فقيرة، و ليست غنية، إلا أنها تشكو من الجهل، جمهورية العدم يحكمها الرؤساء منذ قرن، الأول لم يمت حاكما لها، بل مات في أحد البلدان مستنزفا الأموال التي سرقها منها للهو... الثاني كذلك، و الثالث، كان شريفا نوعا ما، حكم لعشرين عاما و كان راتبه من شأنه إنشاء مملكة في السماء، إلا أن خطأ حاكمنا هذا بسيط للغاية، فقد حكم تلك السنوات و لم تعرف فترته إنجازات ما عدى الفقر و الجوع و البطالة.. و المفاجأة السارة جدا أنه مات بشرفه على كرسي الرئاسة الذي جعله المرض يفارقه فراقا لم يكن يتوقعه بتاتا. فعندما كان يحتفل بمرور عشرين سنة على إمتلاكه السلطة، خرج على الهواء مباشرة في أحد الإذاعات و قال أنه سيكافىء مواطني "جمهورية العدم" بإصلاحات كثيرة،و الحادثة كانت موته على المباشر بمرض ما أيضا..

من يعلم؟ لعله لم يمت؟ من يستغرب أشياء مثل هذه من السياسيين؟ و من يصدقهم في وقتنا هذا؟ دعونا من الرؤساء، أثناء تتبعي لآخر أخبار جمهورية العدم، تجادل عديد النشطاء عن موضوع ما، و مركزه هو "ظهور مناضل جديد في الساحة السياسية لجمهورية العدم." و من هو؟ كان شابا، إسمه شارلز جونسون.

كثيرون يتحدثون عن شارلز، كثيرون. حتى أنه أصبح حديث الناس في كل مكان، في كل بيت، في كل حي و صار موضوع كل النشرات الإخبارية و الحوارات الوطنية.

شارلز هذا عرف بأفكاره السياسية الإصلاحية، فكغيرها من الدول تشكو جمهورية العدم من عديد المشاكل الإجتماعية و الإقتصادية من فقر، بطالة، أمية، إفلاس و إرهاب.. و كان شارلز في كل خطاب له أو لقاء صحفي يقول : "لي حل لكل هذه المشاكل، مهما حصل، لن أنشىء حزبا، سأعمل بنفسي لتخليص الوطن من كل تلك العراقيل، فإني فقط أثق بنفسي و لا أثق بآراء السياسيين الأخرين، و إن فزت يوما ما بالسلطة، لا أود أن تكون أفكاري الإصلاحية آتية من مصدر غيري أنا." و في أحاديث أخرى ذكر شارلز كم أنه يحب وطنه، و أنه سوف لن يغادر الوطن مهما حدث، و كل أفكاره سيفيد بها وطنه و لا شيء غير وطنه.

مرت سنة على شهرة شارلز و الشاب لا يزال مصمما على الظهور في كل مكان..حان وقت الإنتخابات الرئاسية، و طبعا كان شارلز من بين المترشحين، و بعد الإنتخابات حصل ما توقعه شارلز تماما، فاز هو و صار رئيس جمهورية العدم. و لم يشكك أحد في نزاهة فوزه فشعبيته أكبر دليل على وصوله السلطة دون أي تزويير أو تحيل، إضافة إلى ذلك، لم يسمع أو ير المواطنون "المنعدمون" برنامجا إصلاحيا مثيلا لبرنامج شارلز، فالسياسيون عادة يقضون ساعات و ساعات وهم يتدحدثون عن مشاريعهم الإصلاحية أو أفكارهم التي من شأنها الرقي بالأوضاع، و دوما نفاجىء بعدم قدرتهم على تغيير الواقع. أما جونسون فقد عرف كيف يكسب دعم المدنيين، كان كلامه دوما مختصرا، لهجته جادة، و الأهم من ذلك أنه السياسي الشاب الوحيد الذي عرفه عصره.

شارلز يخطو أول خطاه في قصر الرئاسة، يهنئه الأصحاب و الزملاء هناك، شارلز رئيس للجمهورية منذ أسبوعين و الوضع العام للبلاد مازال كما هو، لابأس، أجمع الرأي العام على أن شارلز يحتاج وقتا لتنفيذ مخططاته، لا بأس..شارلز يظهر في خطاب على المباشر و يؤكد على إلتزامه بوعوده لسائر المواطنين، و يؤكد أيضا أن أفكاره الإصلاحية لازالت قائمة.. بعد ذلك الخطاب، لم يصل أي خبر للرأي العام عن شارلز، و كان آخر لقاء له مع وزيري الداخلية و الخارجية، و الأمين العام على خزينة الدولة. و كان شارلز في ذلك اللقاء يتحاور معهم حول مشروع تنموي للبلاد، قال لثلاثتهم:

-كم تبقى من ميزانية الدولة؟

-...

-حقا؟ هاذا كاف لأربعتنا، أمنت السفينة، الليلة نتقاسم الأموال، و نفر عبر البحر فجرا.


...